
سورة الأنعام من أعظم سور القرآن، نزلت دفعةً واحدة تحفّها الملائكة، مشحونة بالحجج والبراهين على التوحيد وبطلان الشرك. تميّزت بتفصيل أحكام الأنعام وفضح جهالات المشركين، فكانت مرجعًا في أصول الدين ومحاجة المشركين.
سبب تسميتها بسورة الأنعام؟
سُمّيت بـ(سورة الأنعام) لأن أكثر أحكام الأنعام، وجهالات المشركين فيها، وما يتعلق بتقربهم بها إلى أصنامهم، مذكورة فيها.
قال الثعلبي في الكشف والبيان عن تفسير القرآن:
هي مكية كلها غير ست آيات منها نزلت في المدينة، وهي 165 آية، وكلها حجج على المشركين، كلماتها 3052 كلمة وحروفها 12420 حرفا.
سورة اختصت بنوعين من الفضيلة:
قال الرازي في مفاتيح الغيب:
قال الأصوليون: هذه السورة اختصت بنوعين من الفضيلة:
أحدهما: أنها نزلت دفعة واحدة.
والثاني: أنها شيعها سبعون ألفًا من الملائكة.
وقد جاءت الآثار مؤكدة لهاتين الفضيلتين، ومن ذلك:
عنِ ابنِ عبَّاسٍ رضِي اللهُ عنهما، قالَ:
(نزَلَتْ سورَةُ الأنعامِ بمَكَّةَ ليلًا جُملةً، حولَها سَبعونَ ألفَ مَلَكٍ، يَجأرُونَ حولَها بالتَّسبيحِ) [أخرجه القاسم بن سلَّام في فضائل القرآن وصحَّح إسناده أحمد شاكر في عمدة التفسير]
وعن أسماء بنت يزيد أم سلمة الأنصارية قالت:
(نزلتْ سورَةُ الأنعامِ علَى النَّبيِّ ﷺ جملةً واحدةً، وأَنا آخذةٌ بزمامِ ناقةِ النَّبيِّ ﷺ، إن كادتْ من ثقلِها لتَكْسرُ عظامَ النَّاقةِ) [أخرجه إسحق بن راهوية في المسند وصححه أحمد شاكر في عمدة التفاسير]
وعن جابر بن عبدالله قال:
(لمَّا نَزَلَتْ سورةُ الأنعامِ سَبَّحَ رسولُ اللهِ ﷺ، ثُمَّ قالَ:
لقد شَيَّعَ هذه السُّورةَ مِنَ الملائكةِ ما سَدَّ الأُفُقَ) [أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين وقال: صحيح على شرط مسلم (3268)]
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال:
(نزلَتْ سورةُ الأنعامِ على النبيِّ ﷺ ومعها مَوْكِبٌ مِنَ الملائكةِ سَدَّ ما بينَ الخافِقَيْن [أي ما بين المشرق والمغرب]ِ، لهم زَجَلٌ بالتَّسبيحِ والتَّقديسِ، والأرضُ تَرْتَجُّ، ورسولُ اللهِ ﷺ يقولُ: سُبحانَ اللهِ العظيمِ! سُبحانَ اللهِ العظيمِ) [أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط، وحسنه ابن حجر في نتائج الأفكار في تخريج أحاديث الأذكار]
ما سبب إنزالها جملة واحدة؟
قال القرطبي في تفسيره:
قال العلماء: هذه السورة أصل في محاجة المشركين وغيرهم من المبتدعين ومن كذب بالبعث والنشور. وهذا يقتضي إنزالها جملة واحدة؛ لأنها في معنى واحد من الحجة وإن تصرف ذلك بوجوه كثيرة.
وقال الرازي في مفاتيح الغيب:
والسبب فيه أنها مشتملة على دلائل التوحيد، والعدل، والنبوة، والمعاد، وإبطال مذاهب المبطلين والملحدين، وذلك يدل على أن علم الأصول في غاية الجلالة والرفعة.
من نُوَاجِبِ القرآن:
ومن فضائل سورة الأنعام أيضًا ما جاء عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال:
"الأنعام مِن نَواجِب القرآن". أي: أفاضل سُوَره [أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن، والدارمي في مسنده]
سورة فضحت جهل المشركين:
ومن خصائصها كذلك ما جاء عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، رضي الله عنهما قال:
(إذَا سَرَّكَ أنْ تَعْلَمَ جَهْلَ العَرَبِ، فَاقْرَأْ ما فَوْقَ الثَّلَاثِينَ ومِئَةٍ في سُورَةِ الأنْعَامِ: {قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} إلى قَوْلِهِ: {قَدْ ضَلُّوا وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} [الأنعام: 140]) [صحيح البخاري (3524)]
وفي الختام
تبقى سورة الأنعام من السور العظيمة التي أرست دعائم العقيدة وأبطلت شبهات أهل الضلال. فهي منارة للمؤمنين في دروب الحق وميدان الحجة والبيان.
شاركنا بتدبّرك:
ما الأثر الذي تتركه هذه السورة في قلبك عند استحضار مشهد نزولها مع مواكب الملائكة؟