
حين يُذكر القرآن الكريم، يُذكر الذين حفظوه ونقلوه بسند متصل إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فكانوا ورثة النبوة وحملة الرسالة
من هو نافع بن عبد الرحمن؟
هو أبو رويم نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم المدني. أخذ القراءة عن أبي جعفر القاري وعن سبعين من التابعين وهم أخذوا عن عبد الله بن عباس وأبي هريرة عن أبي بن كعب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وانتهت إليه رياسة الإقراء بالمدينة المنورة. توفي سنة 169 تسع وستين ومائة.
نافع المدني إمام القراء بالمدينة المنورة، أصله من أصفهان (بلاد فارس)، واستقر بالمدينة حيث تلقى العلم وتصدر لتعليمه. وُلد في بداية القرن الثاني الهجري. تتلمذ على يد سبعين تابعياً قرأوا على أصحاب النبي – صلى الله عليه وسلم – ومن أبرز شيوخه: أبو جعفر القارئ، شيبة بن نصاح، ويزيد بن رومان.
قال الذهبي في سير أعلام النبلاء (8/353): "كان نافع إمام الناس في القراءة بالمدينة، حسن الصوت، إذا قرأ يبكي الناس من خشوعه."
إسهاماته في نقل القرآن
نافع هو أحد القراء السبعة، وهم القراء الذين اشتهروا في القرن الثاني الهجري بنقل القرآن الكريم بأحكام التجويد والقراءات المختلفة التي أُذن بها عن النبي – صلى الله عليه وسلم. تميّز نافع بسند متصل، وهو سلسلة موثقة من الرواة تنتهي إلى النبي. أشهر تلاميذه:
-
قالون (عيسى بن مينا): راوي القراءة المنتشرة في بلاد المغرب وليبيا.
-
ورش (عثمان بن سعيد المصري): راوي القراءة الأشهر في شمال إفريقيا.
قال الإمام مالك بن أنس: "قراءة نافع سُنّة". أي أنها كانت معيارًا في المدينة لضبط القرآن.
مواقف ملهمة من حياته
روي أن نافعًا كان إذا قرأ القرآن، فاح منه المسك، فقيل: "هذا من طيب كلام الله." هذا يعكس أثر القرآن في النفس والبدن، كما قال تعالى:
﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ ٱلۡقُرۡءَانِ مَا هُوَ شِفَاۤءࣱ وَرَحۡمَةࣱ لِّلۡمُؤۡمِنِینَ﴾ [الإسراء ٨٢].
كان نافع يرجو الشهادة في سبيل الله، ومات وهو على طهارة يقرأ القرآن. ورد في حديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة: "من قرأ القرآن ثم مات قبل أن يتعلمه، جاء يوم القيامة ووجهه كالقمر ليلة البدر."
رسالة: ملازمة القرآن مفتاح الخير في الدنيا والآخرة.
رسالة معاصرة
في زمن كثرت فيه الضوضاء، نحتاج إلى إعادة الصلة بالقرآن. نافع لم يكن عربيًا، لكنه أتقن القرآن بالاجتهاد. فلنقتدِ به، ولنصاحب أهل القرآن، فهم أهل الله وخاصته.
قال الشاعر:
قف إنها بجلالها الآيات
فيها هدى .. وسكينة .. وثبات
رتل .. وجوّد ما استطعت حروفها
وابسط فؤادك إنها النفحات
هذا الكتاب .. فقم به
متخشعاً متدبراً تصفو هناك عظات
وختاما:
إن سيرة الإمام نافع المدني ليست مجرد قصة عابرة، بل مشعل يضيء طريق المحبين لكلام الله.
فقد حمل القرآن في صدره، ونشره بصوته وإخلاصه، فكان نورًا يهدي الأجيال.
فلنجعل منه قدوة، ولنعاهد أنفسنا على الإقبال على القرآن تلاوةً وحفظًا وتدبرًا، فهو الشفاء للقلوب والحياة للنفوس.
قال تعالى: ﴿إِنَّ هَٰذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ﴾ [الإسراء: 9]. فهل نكون من أهله؟ ابدأ اليوم، فكل خطوة تقربك إلى الله ذخرٌ في الدنيا والآخرة.