هل ظننت يومًا أن النصر حليفُ العدد؟

هل رأيت في الكثرة ضمانًا للغلبة؟ في لحظةٍ فاصلة من تاريخ الإسلام، نزل قول الله تعالى يُعيد ترتيب المفاهيم ويضبط ميزان النصر الحقيقي:

﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا ﴾[التوبة: 25]

🛡️ مشهد من يوم "حنين"

في السنة الثامنة للهجرة، وبعد فتح مكة، سار النبي ﷺ مع جيشٍ قوامه عشرة آلاف، وانضم إليهم ألفان من أهل مكة، حتى ظن بعض الصحابة أن لا أحد سيغلبهم بعد اليوم، وقالوا: "لن نُغلب اليوم من قلة!".

وهنا جاء الابتلاء...
انقضّ العدو فجأة من شعاب وادي حُنين، فانهزم المسلمون في البداية، وتفرّق الجيش، حتى لم يثبت مع النبي ﷺ إلا قِلّة، منهم: العباس، وعلي، وأبو سفيان بن الحارث، وغيرهم من أبطال الإسلام.

لكن النبي ﷺ ثبت في وجه العاصفة، ونادى بأعلى صوته:
"أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب" [رواه البخاري (4317)]

فأقبلت إليه الصفوف تتوالى، واستعاد المسلمون تماسكهم، وكان النصر في النهاية لهم، بعد أن فهموا أن الكثرة لا تكفي، ما لم يكن الاعتماد على الله.

✨ دروس من الآية:

1️⃣ الإعجاب بالنفس سبب للهزيمة
قال ابن كثير رحمه الله:

"أعجبهم عددهم، فظنوا أن النصر حاصل به، فابتُلوا من هذه الجهة."

والعِبرة: لا تعتمد على قوتك، بل على ربك. الكثرة قد تُخدعك، لكن التوكل يهديك.

2️⃣ النصر بيد الله وحده
قال تعالى:

﴿ وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 126]

فمن ظن أن العدد أو العُدّة هي سبب الغلبة، فقد غفل عن سرّ التوفيق.

 3️⃣فضل الشهادة في سبيل الله

من مشاهد يوم حُنين استُشهد عدد من الصحابة، فهنيئًا لهم ما نالوه!
قال ﷺ:
"ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما على الأرض من شيء، إلا الشهيد، يتمنى أن يرجع فيُقتل عشر مرات لما يرى من الكرامة" [رواه البخاري (2817)]

قال الحافظ ابن حجر:
"في هذا دلالة على عظيم أجر الشهيد، حتى إنّه يتمنى العودة للدنيا ليُقتل مرارًا."

🖋️ رسالة معاصرة

في زمن تتفاخر فيه الأمم بالجيوش والاقتصاد والتقنية، تعود هذه الآية لتهمس في قلوبنا:
لا تغترّوا بالكثرة، فربّ عزيزٍ قليل، وربّ ذليلٍ كثير.

البركة لا تقاس بالأرقام، بل بقربك من الله، وإخلاصك في العمل.

🔸 إنك قد تملك "جيشًا" من المتابعين، لكن النصر في تأثير الكلمة، لا صداها.
🔸 وقد تظن أن مالك أو شهادتك أو علاقاتك تكفيك... لكن "حنين" يذكّرك: الكثرة لا تُغني شيئًا بدون توفيق الله.

🖋️ من روائع الشعر

وإذا استَوت للكافرين كَثَافةٌ
جَاءت جُنودُ اللهِ لا تُبقي ولا تَذرُ

وإذا التَوَكلُ في القلوبِ تَفرّدت
بالعِزّ… لا السّيوف ولا الظُّهور

💬 خاتمة تفاعلية

فهل نثق بأنفسنا أم بربّنا؟
هل نقيس النجاح بعدد المتابعين؟ أو بقوة التأثير في قلوب الناس؟
تأمّل هذه الآية جيدًا… فإن فيها تربيةً إيمانية تُهذّب القلب، وتردّه إلى الأصل:
لا نصر إلا بالله… ولا غلبة إلا بالتقوى.

🔄 شاركنا رأيك:

متى شعرت أن الكثرة لم تنفع؟

📖 وهل أثّرت فيك هذه الآية كما أثّرت في الصحابة؟

نسأل الله أن يجعل قلوبنا معلّقة به، لا بما في أيدينا، وأن يرزقنا الإخلاص والثبات في كل موقف.
اللهم آمين 🤲