
لكل أمة في التاريخ لحظة حاسمة، تقف عندها أمام مفترق طرق: إما أن تواصل السير في طريق النور والهداية، أو تتولى مدبرة، فتنقطع صلتها برسالتها، وتفقد مقومات بقائها. وهنا تتجلّى سنّة قرآنية عظيمة، ترسم ملامح العدل الإلهي في التعامل مع الأمم: الاستبدال.
يقول الله تعالى:
﴿وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ﴾ [محمد: 38]
إنها آية تقرع الأبواب وتنذر الغافلين، فماذا تعني؟ وما رسائلها إلى أمة الإسلام اليوم؟
معنى الآية وسياقها:
جاءت هذه الآية في سورة محمد – صلى الله عليه وسلم – في سياق الحديث عن الإنفاق في سبيل الله، والإعراض عن طاعة الله ورسوله. فالله تعالى يخاطب المؤمنين محذرًا: إن توليتم عن الجهاد، أو عن طاعته، أو قصرتم في حمل أمانة الدين، فلن يضروا الله شيئًا، بل سيأتي بغيركم، قومٍ أطوع، وأخلص، وأشد تمسكًا بالحق.
قال الإمام الطبري في تفسيره:
"وإن تتولوا عن طاعته، فيترك طاعتَه، وتعرضوا عن أمره، يستبدل منكم من هو خير منكم وأطوع له منكم، ثم لا يكون أولئك المستبدلون أمثالكم في التولي والإعراض."
📚 [تفسير الطبري، الجامع لأحكام القرآن]
ويقول العلامة السعدي:
"هذا تحذير شديد، بأن الله لا يُعجزه شيء، وأنه غير محتاج إلى أحد."
📚 [تفسير السعدي]
سنة الاستبدال: سنة ماضية
إن هذه الآية ليست تهديدًا لجيل بعينه، بل سنة ماضية في الأمم، قال الله تعالى:
﴿إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ وَكَانَ اللَّهُ عَلَىٰ ذَٰلِكَ قَدِيرًا﴾ [النساء: 133]
فكل من قصر أو انحرف عن الطريق، كان عرضة لأن يُستبدل.
مثال ذلك بنو إسرائيل، الذين كانوا أمة مختارة، أُنعم عليهم بالنبوة والكتاب، لكنهم حين قست قلوبهم، ونقضوا العهد، وعصوا الأنبياء، استُبدلوا بأمة الإسلام التي حملت مشعل الهداية. قال الله تعالى عنهم: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [الجاثية: 16]، لكنهم لما أعرضوا، انتقلت الأمانة لغيرهم.
رسالة معاصرة:
في عالمنا اليوم، تتوالى التحديات، وتتنازع الأمم على الريادة، فهل نُدرك أن التمكين ليس حكرًا على أمة معينة بل وعدٌ مشروط؟
من يتقن العمل، ويصدق النية، ويقيم العدل، يُعطى القيادة، ولو لم يكن من أبناء الأمة المسلمة.
فما أصدق كلمات الشيخ الشعراوي – رحمه الله – حين قال:
"إن لم يكن المسلمون على مستوى الإسلام، فالله ينصر الإسلام ولو بغير المسلمين."
وختاما:
إن الآية الكريمة تفتح لنا باب التفكّر والرجوع، وتدفعنا للسؤال:
هل نمثل الإسلام تمثيلًا صادقًا في سلوكنا وقيمنا؟
أم أننا اقتربنا من لحظة الاستبدال؟
شاركنا في التعليقات