
تخيّل أن باب الجنة قد فُتح لك، ولكنك لم تدخله! هكذا هو حال من يفرّط في برّ والديه، وهما مفتاح من مفاتيح الجنة، كما جاء في الحديث الذي رواه الطبراني بسند صحيح: "رغم أنفُ، ثم رغم أنفُ، ثم رغم أنفُ" قيل: من يا رسول الله؟ قال: "من أدرك والديه عند الكبر، أحدهما أو كليهما، ثم لم يدخل الجنة".
🕊️ وقفة مع الآية:
قال الله تعالى في سورة الإسراء:
﴿فَلَا تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا﴾ [الإسراء: 23]
هذه الآية الكريمة جاءت بأدقّ صور الأدب مع الوالدين، فحرّمت أدنى مراتب الأذى، وهو التأفّف، فما بالك بما هو أشد؟ قال الإمام القرطبي رحمه الله: "فإذا نهى عن التأفف، فغيره من السبّ والشتم أولى بالمنع."
🌼 أحكام وآداب مستنبطة:
1️⃣ تحريم إيذاء الوالدين ولو بأدنى قول:
"أفّ" صوت يدل على الضيق، وقد نهى الله عنه لما فيه من التبرّم والضجر.
قال الإمام السعدي: "أي لا تقل لهما أدنى كلمة تُفهم التضجّر منهما، فضلاً عمّا فوقها من القول القبيح."
2️⃣ الأمر بالقول الكريم:
الكلام الطيب لا يُكلّف شيئًا، لكنه عند الله عظيم، قال الحسن البصري رحمه الله: "القول الكريم يشمل كلّ ما يرضيهما من طيب الكلام، ولين العبارة، وبشاشة الوجه."
3️⃣ من البر أن تخفض لهما جناح الذل:
كما قال تعالى:
﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾ [الإسراء: 24]
قال ابن عاشور: "أي تذلّل لهما رحمةً بهما، لا خوفًا ولا طمعًا."
📝رسالة معاصرة:
في زمن السرعة والانشغال، قد يُقصر الأبناء في برّ الوالدين، لا عمدًا، بل غفلةً.
فهل من العدل أن نردّ الجميل بالإهمال؟!
هل حقًا نُدرك أنّ دعوة من قلب أمّ حزين قد تُغلق أبواب التوفيق؟!
روى الترمذي بسند حسن عن عبدالله بن عمرو أن النبي ﷺ قال:
"رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله في سخط الوالد."
فلنعد النظر في تعاملنا معهم، فهم البركة الحقيقية في حياتنا.
🌺 من روائع الشعر:
قال الإمام الشافعي:
اخضع لأمك وأرضها
فعل الأمّ دوماً كنزُها
هي الجنةُ تحتَ قدميها
فلا تُضيّع كنزها
وختاما
هل تعلم أخي الكريم أنّك مهما قدّمت لوالديك فلن توفيهم حقّهم؟
جاء رجل إلى النبي ﷺ فقال: يا رسول الله، إنّ أمي بلغَت الكِبَر، وأُقعدت، وأصبحتُ أقوم على خدمتها، أطعمها وأغسلها وأحمِلها، أتراني قد جزيتها؟
قال ﷺ:
"لا، ولا بزفرةٍ واحدةٍ من زفراتها حين الولادة"
[رواه ابن ماجه بسند حسن]
فلنجعل هذه الآية نبراسًا نهتدي به، ولنتذكّر دومًا:
بِرّ الوالدين ليس لحظة، بل عمرٌ من الإحسان.
اللهم ارزقنا برّ والدينا في حياتهم وبعد موتهم، واغفر لنا تقصيرنا، واجعلنا من البارّين، قولًا وفعلاً ونية.
تسعدنا مشاركتك في التعليقات أخي الكريم.