درس ربّاني في قلب المعركة: كيف وحّدت آية الأنفال صفوف الصحابة؟

درس ربّاني في قلب المعركة: كيف وحّدت آية الأنفال صفوف الصحابة؟
2025/05/21

في غزوة بدر، حيث تجلّت المواقف العظيمة لأصحاب النبي ﷺ، وقع خلاف بين الصحابة رضي الله عنهم حول توزيع الغنائم، فأنزل الله آية الأنفال بيانًا للحكم الشرعي فيه. وجاءت الآية لتغرس في القلوب معاني الطاعة والتسليم لله ورسوله، وتؤسس لمنهجية عادلة في التعامل مع الغنائم.

 

قال الله تعالى:

(يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ قُلِ الأَنفَالُ لِلّهِ وَالرَّسُولِ) [الأنفال-1]

 

عن ابنِ عباس رضي اللهُ عنهما، قال:

قال رسول اللَّه ﷺ يوم بدر:

"مَن فعلَ كذا وكَذا، فلَهُ منَ النَّفَلِ كذا وكَذا.

قالَ:

فتقدَّمَ الفِتيانُ، ولزمَ المشيَخةُ الرَّاياتِ فلم يبرَحُوها، فلمَّا فتحَ اللَّهُ عليهم قالت المشيخةُ:

كنَّا رِدءًا  لَكُم [عونًا]، لوِ انهزمتُمْ فِئتُمْ إلينا [رَجَعْتم]، فلا تَذهَبونَ بالمَغنمِ ونبقى، فأبى الفِتيانُ، وقالوا:

جعلَهُ رسولُ اللَّهِ ﷺ لَنا،

فأنزلَ اللَّهُ تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ * قُلِ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ" إلى قولِهِ: "كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ)" [أخرجه أبو داود وصححه الألباني(2737)]

 

وعن أبي أمامة الباهليِّ، قال:

سألت عبادة بن الصامت عن الأنفال، فقال:

فِينَا- أَهْلَ بَدْر- نَزَلَتْ، حِينَ اختلفنا، وَسَاءَتْ أَخْلاَقُنَا، فَنَزَعَهُ اللَّهُ مِنْ أَيْدِيَنَا، وَجَعَلَهُ إلى رسوله ﷺ وقَسَمَهُ عليه السلام- بَيْنَ المُسْلِمينَ عَلَى بَوَاءٍ- يريد: على سَوَاءٍ.[ أخرجه أحمد (22747) وحسنه شعيب الأرناؤوط]

 

ويوضحه ما جاء في تفسير ابن جزي:

كانوا يوم بدر ثلاث فرق:

فرقة مع النبي ﷺ في العريش تحرسه،

وفرقة اتبعوا المشركين فقتلوهم وأسروهم،

وفرقة أحاطوا بأسلاب العدو وعسكرهم لما انهزموا،

 فلما انجلت الحرب واجتمع الناس رأت كل فرقة أنها أحق بالغنيمة من غيرها، واختلفوا فيما بينهم، فنزلت الآية.

 

قال ابن تيمية في منهاج السنة النبوية:

نزلت عقيب بدر بالاتفاق.

 

وقال ابن عطية في تفسيره:

لا خلاف في هذه السورة أنها نزلت في يوم بدر وأمر غنائمه.

 

قال السعدي:

أي: يسألك أصحابك- يا محمد- عن الغنائم - وخاصة غنائم غزوة بدر التي غنموها من كفار قريش  - عن حكمها، ولمن هي، وكيف تقسم.

 

ما المقصود بالأنفال؟

المراد بالأنفال: الغنائم.

وقيل: الزيادات على الغنيمة التي تقسم، وهي ما يعطاه الرجل على البلاء على غير قسمة.

وقيل: تشمل الغنائم والزيادات معًا.

 

لماذا يسألون عن الأنفال؟

قال الزَّجاج في معاني القرآن وإعرابه:

وإنما يسألون عنها؛ لأنها فيما روي كانت حرامًا على من كان قبلهم.

 

قال ابن كثير في تفسيره:

شاهِدُ هذا في الصحيحينِ عن جابرٍ: أنَّ رَسولَ اللهِ ﷺ قال:"أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أحَدٌ قَبْلِي: نُصِرْتُ بالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ، وجُعِلَتْ لي الأرْضُ مَسْجِدًا وطَهُورًا، فأيُّما رَجُلٍ مِن أُمَّتي أدْرَكَتْهُ الصَّلَاةُ فَلْيُصَلِّ، وأُحِلَّتْ لي المَغَانِمُ ولَمْ تَحِلَّ لأحَدٍ قَبْلِي، وأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ، وكانَ النبيُّ يُبْعَثُ إلى قَوْمِهِ خَاصَّةً وبُعِثْتُ إلى النَّاسِ عَامَّةً". [أخرجه البخاري (335) ومسلم (521)]

 

من الفوائد التربوية لهذه الآية:

قال البقاعي في نظم الدرر:

-تبرؤ العباد من الحول والقوة.

-الحث على التسليم لأمر الله المثمر لاجتماع الكلمة.

-إيجاب اتباع الداعي إلى الله بغاية الإذعان والتسليم والرضى.

-كف حظوظ الأنفس والتزام الإخبات والتواضع.

 

وفي الختام،

تُعلِّمنا آية الأنفال ضرورة رد الأمور إلى الله ورسوله، وتُربِّي في النفوس روح الطاعة والتجرد من الأهواء. فهي دعوة للوحدة والتسليم، ومصدر تربية إيمانية متكاملة في أوقات النصر والخلاف.

 

تحدي التدبر:

رغم العتاب الرقيق في بداية السورة، فإن الله أثنى على الصحابة في مواضع أخرى منها. هل تستطيع أن تستحضر آية من سورة الأنفال فيها مدح للصحابة رضي الله عنهم؟

 

بحث

الأكثر تداولاً

مع تطبيق مصحف المدينة استمتع بتفسير شامل للآيات يساعدك على فهم القرآن الكريم بسهولة

حمل مصحف المدينة الآن

مدار للبرمجة © 2021 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة