قال الله تعالى: ﴿يَمْحُوا اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ﴾ [الرعد:39]، فالمراد من الآية أنه سبحانه يمحو ما يشاء فيكون كالعدم، ويثبت ما يشاء فيجري فيه قضاؤه وقدره على حسب ما يقتضيه مشيئته.
وذُكر في سبب نزولها أن قريشًا قالت حين أُنزل ﴿وما كانَ لِرَسُولٍ أنْ يَأْتِيَ بِآيَةٍ إلا بِإذْنِ اللَّهِ﴾ [الرعد: ٣٨]: ما نراك يا محمد تملك من شيء، ولقد فرغ من الأمر، فأنزلت هذه الآية تخويفًا لهم، ووعيدًا لهم ﴿يَمْحُو اللَّهُ ما يَشاءُ ويُثْبِتُ﴾ إنا إن شئنا أحدثنا له من أمرنا ما شئنا.
والتغيير والتبديل يقع في الفروع والشعب، كأعمال اليوم والليلة التي تكتبها الملائكة، ويجعل الله لثبوتها أسبابًا ولمحوها أسبابًا، لا تتعدى تلك الأسباب ما رسم في اللوح المحفوظ، كما جعل الله البر والصلة والإحسان من أسباب طول العمر وسعة الرزق، وكما جعل المعاصي سببًا لمحق بركة الرزق والعمر، وكما جعل الحذر من المهالك سببًا للسلامة، وجعل التعرض لذلك سببًا للهلاك؛ فهو الذي يدبر الأمور بحسب قدرته وإرادته، وما يدبره منها لا يخالف ما قد علمه وكتبه في اللوح المحفوظ.
وظاهر النظم القرآني العموم في كل شيء فيمحو ما يشاء محوه من شقاوة أو سعادة أو رزق أو عمر أو خير أو شر ويبدل هذا بهذا ويجعل هذا مكان هذا، لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون.
ويؤيده أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال وهو يطوف بالبيت ويبكي:
اللهم إن كنت كتبت علي شِقْوة أو ذنبًا فامحه، فإنك تمحو ما تشاء وتثبت، وعندك أم الكتاب، فاجعله سعادةً ومغفرةً.
وقد ثبت أن الدعاء قد يرد البلاء. قال رسول الله ﷺ: "إنَّ البلاءَ ليَنزِلُ فيَتلقَّاهُ الدُّعاءُ فيَعتلِجانِ إلى يومِ القيامةِ".
وقد أوصانا به الحبيب فقال ﷺ: "الدُّعاءُ ينفع مما نزل و مما لم ينزِلْ، فعليكم عبادَ اللهِ بالدُّعاءِ". وقال رسول الله ﷺ: "لَا يَرُدُّ القَدَر إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمُرِ إِلَّا الْبِرُّ".
فالإيمان بقدر الله وقضائه واجب وهو الركن السادس من أركان الإيمان، كما جاء في حديث جبريل عليه السلام (وتُؤْمِنَ بالقَدَرِ كُلِّهِ)، والدعاء من قدر الله تعالى، فإذا أصاب العبد ما يكرهه أو خشي ما يصيبه؛ فمن السنة أن يدعو الله تعالى أن يرفع عنه البلاء، ويصرف عنه شر ما يخشاه.
ردد بلسانك واكتب الدعاء؛ لنؤمّن عليه:
اللهم نجّنا من البلاء واجعلنا من السعداء









