
سورة النحل مكية، قيل: إلا ثلاثَ آيات مِن آخرها [من قوله تعالى:﴿وَإِنۡ عَاقَبۡتُمۡ فَعَاقِبُوا۟ بِمِثۡلِ مَا عُوقِبۡتُم بِهِۦۖ …﴾]، قيل: إنها نزلتْ بالمدينة حين قُتل حمزةُ بنُ عبد المطلب، ومُثّل به؛ فعَزْمِ النَّبِيُّ ﷺ عَلَى أَنْ يُمَثِّلَ بِسَبْعِينَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ إِنْ أَظْفَرَهُ اللَّهُ بِهِمْ مقابلَ تَمْثِيلِهِمْ بِحَمْزَةَ رضي الله عنه.
قال ابنُ عباس رضي الله عنهما: نزلتْ بين مكة والمدينة منصرفَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من أحد.
وقال قتادةُ وجَابِرُ بْنُ زَيْدٍ: من أول النحل إلى ذكر الهجرة يعني: ﴿وَٱلَّذِینَ هَاجَرُوا۟ فِی ٱللَّهِ مِنۢ بَعۡدِ مَا ظُلِمُوا۟ لَنُبَوِّئَنَّهُمۡ فِی ٱلدُّنۡیَا حَسَنَةࣰۖ ﴾ [النحل ٤١] مكي، وسائرها مدني.
وعدد آياتها 128 آية، وترتيبها في المصحف (16)، وترتيبها في النزول (70).
وهذه السورة تُسمى بـ«سورة النَّحل» وهذا اسْمُهَا الْمَشْهُورُ فِي الْمَصَاحِفِ وَكُتُبِ التَّفْسِيرِ وَكُتُبِ السُّنَّةِ، وهو اسم توقيفي؛ وإنما سُمِّيتْ به لورود ذكر النحل فيها [الآيات: 68-69] دون غيرها من سور الكتاب العزيز .
لماذا تسمى بـ "سورة النعم"؟
وتُسمَّى كذلك بـ «سورةِ النِّعَم» -أو : سُورَة الآلاءِ-، وهي تسمية اجتهادية؛ وذلك بسبَبِ ما عدَّدَ اللهُ فيها مِن نِعَمِه على عبادِه. [يُنظر: تفسير السمعاني، وتفسير ابن عطية].
وجاءت تسميتها بـ «سورةِ النِّعَم» متوافقةً مع مَقصِد السورةِ الأبرز، وهو: بيانُ آلاءِ الله تعالى ونِعمِه على خلقِه، والتذكير بالنِّعمِ الدَّالَّةِ على المُنعِم، إلزامًا بعبوديته وتحذيرًا مِن جحود نعمته. [معالم السور، ص: 93].
قال الكرماني في «لباب التفاسير»: "لم أجد حديثاً مرفوعاً في ذلك يعتبر سنداً لهذه التسمية، وقد ذكر جمعٌ من المفسرين أنه بسبب ما عدَّد الله تعالى فيها من النعم، وهذا تعليل وليس بدليل، ونقل ابن الجوزي هذه التسمية عن علي ابن زيد، وأظنه - والله أعلم - ابن جدعان، أحد التابعين، ثم وجدتُ يحيى بن سلام نقل في تفسيره هذا الاسم عن قتادة أيضًا".
ويقول ابنُ القيم رحمةُ الله عليه: «فقال تعالى في سورة النِّعم ــ وهي سورة النحل ــ التي ذكر فيها أصولَ النِّعم وفروعَها ومتمِّماتها ومكمِّلاتها، فعدَّدَ نعمَه فيها على عباده، وتعرَّف بها إليهم، واقتضاهم شكرَها، وأخبر أنه يتمُّها عليهم ليعرفوها ويذكروها ويشكروها، فأوَّلها في أصول النِّعم، وآخرُها في مكمِّلاتها، قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [النحل: 78]؛ فذكر سبحانه نعمته عليهم بأنْ أخرجَهم لا علمَ لهم، ثمَّ أعطاهم الأسماعَ والأبصارَ والأفئدةَ التي نالوا بها من العلم ما نالوه، وأنه فَعَل بهم ذلك ليشكروه» [مفتاح دار السعادة (1/ 293)].
وفضلا عن ذلك الاحتفاء الموضوعي بتعداد نعم الله على عباده في سورة النحل؛ فإنَّ السورة حفَلتْ بذكر "النعم" على المستوى اللفظي كذلك؛ فجاءت اللفظةُ مفردةً مراتٍ، وجمعًا مرةً واحدة، ولعلها واحدةً من أكثر سور القرآن الكريم احتفاءً بهذه اللفظة، كما في قوله تعالى:
-
﴿وَإِن تَعُدُّوا۟ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ لَا تُحۡصُوهَاۤۗ﴾ [النحل ١٨]
-
﴿وَمَا بِكُم مِّن نِّعۡمَةࣲ فَمِنَ ٱللَّهِۖ ﴾ [النحل ٥٣].
وهناك 6 مواضع أخرى على الأقل في السورة .. افتح مصحف المدينة، وحاول الوصول إليها بنفسك🔎 …
وتكرار ذكر لفظ "نعمة" ومشتقاتها يدل ولا شكَّ على مركزية هذا المعنى في السورة.
تعداد النعم المادية والمعنوية:
كثيرٌ من آيات السورة تعدّد نعم الله في الأنفس والآفاق: من إنزال المطر، ونمو النبات، وتسخير الأنعام، وخلق الإنسان، ونعمة الليل والنهار، إلى نعمة الوحي والرسل والقرآن.
ومن مظاهر النعم الواردة السورة:
- الأنعام وتسخيرها؛ مثل: الإبل والبقر والغنم، التي يأكل منها الإنسان ويركب ويستفيد من ألبانها وجلودها.
- الزروع والثمار؛ مثل: الزيتون، والرمان، والنخيل، والأعناب.
- العسل: الذي تنتجه النحل، وجعل الله فيه شفاءً للناس.
- نعمة الهداية والتوحيد: التي تُعدّ أعظمَ من النعم الحسية.
- نعمة الأمن والرزق: ﴿وَضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلࣰا قَرۡیَةࣰ كَانَتۡ ءَامِنَةࣰ مُّطۡمَىِٕنَّةࣰ یَأۡتِیهَا رِزۡقُهَا رَغَدࣰا مِّن كُلِّ مَكَانࣲ فَكَفَرَتۡ بِأَنۡعُمِ ٱللَّهِ فَأَذَ ٰقَهَا ٱللَّهُ لِبَاسَ ٱلۡجُوعِ وَٱلۡخَوۡفِ بِمَا كَانُوا۟ یَصۡنَعُونَ﴾ [النحل ١١٢].
كما تضمنت السورة ذمًّا واضحا لمن يكفر بأنعم الله، ويتخذ من نعم الله وسيلة للطغيان، أو يُنكرها بلسانه أو فعله.
نخلص مما سبق إلى أن المقصود الأعمّ من سورة النحل هو ما حفلت به من الامتنان الإلهي بجلائل النعم، حتى كانت جديرةً بأن تُسمَّى "سورة النعم"، ولعلنا نحتاج الآن إلى قراءة السورة مرة أخرى مُستصحبين هذا المعنى؛ فنتوقف عند كلِّ نعمة تمر بنا، محاولين استشعار هذه النعمة في أنفسنا، وهل أدينا شكرها؟ .. وكيف نستعملها ونصرفها في طاعة الله ومراضيه؟!
✍️ما أكثر نعمة استوقفتك عند قراءة سورة النحل؟🤔 شاركنا تأملك!
✍️شارك هذا المقال مع أحبّائك، فقد تكون بدايةً لتدبر مختلف لسورة عظيمة 📖