
عَاشُورَاءُ: هُوَ الْيَوْمُ الْعَاشِرُ مِنْ شهر الْمُحَرَّمِ، وهو يوافق هذا العام في غالبية الدول الإسلامية يومَ السبت (5 يوليو 2025)، وهو يومٌ من أيام الله، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يصومه ويأمر يصيامه ويتحرَّى صيامه لما فيه من الفضيلة وعظيم الثواب.
روى مسلمٌ في صحيحه عن ابن عمر رضي الله عنهما أنَّ أَهْلَ الجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَصُومُونَ يَومَ عَاشُورَاءَ، وَأنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ صَامَهُ، وَالْمُسْلِمُونَ قَبْلَ أَنْ يُفْتَرَضَ رَمَضَانُ، فَلَمَّا افْتُرِضَ رَمَضَانُ، قالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ عَاشُورَاءَ يَوْمٌ مِن أَيَّامِ اللهِ، فمَن شَاءَ صَامَهُ وَمَن شَاءَ تَرَكَهُ.
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: مَا رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَرَّى صِيَامَ يَوْمٍ فَضَّلَهُ عَلَى غَيْرِهِ إِلّا هَذَا الْيَوْمَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَهَذَا الشَّهْرَ يَعْنِي شَهْرَ رَمَضَانَ. [رواه البخاري(1867)].
فضل صومه.. وماذا يكفر؟!
وفي فضل صيامه، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:
«صيام يوم عاشوراء، إِنِّي أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» [صحيح مسلم (1976)].
قال الإمام النوويُّ رحمه الله: "يُكَفِّرُ كُلَّ الذُّنُوبِ الصَّغَائِرِ، وَتَقْدِيرُهُ يَغْفِرُ ذُنُوبَهُ كُلَّهَا إلا الْكَبَائِرَ".
ثم قال: صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ كَفَّارَةُ سَنَتَيْنِ، وَيَوْمُ عَاشُورَاءَ كَفَّارَةُ سَنَةٍ، وَإِذَا وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ .. كُلّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ صَالِحٌ لِلتَّكْفِيرِ فَإِنْ وَجَدَ مَا يُكَفِّرُهُ مِنْ الصَّغَائِرِ كَفَّرَهُ، وَإِنْ لَمْ يُصَادِفْ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً كُتِبَتْ بِهِ حَسَنَاتٌ وَرُفِعَتْ لَهُ بِهِ دَرَجَاتٌ،.. وَإِنْ صَادَفَ كَبِيرَةً أَوْ كَبَائِرَ وَلَمْ يُصَادِفْ صَغَائِرَ، رَجَوْنَا أَنْ تُخَفِّفَ مِنْ الْكَبَائِرِ" [«المجموع شرح المهذب» (6/ 382)].
استحباب صيام تاسُوعاء:
وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: حِينَ صَامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ يَوْمٌ تُعَظِّمُهُ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: "فَإِذَا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ صُمْنَا الْيَوْمَ التَّاسِعَ".
قَالَ: فَلَمْ يَأْتِ الْعَامُ الْمُقْبِلُ حَتَّى تُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. [رواه مسلم (1134)]
قال الشافعي وأصحابه وأحمد وإسحاق وآخرون: يستحب صوم التاسع والعاشر جميعًا؛ لأن النبي ﷺ صام العاشر، ونوى صيام التاسع.
وعلى هذا فصيام عاشوراء على مراتب:
-
أعلاها أن يصوم التاسع والعاشر، وهو الأوفق للسنة والأكمل.
-
ودونه أن يصوم العاشر فقط.
-
فإنْ فاته صيام التاسع لعارضٍ، فصام الحاديَ عشَرَ مع العاشرِ؛ فهذا حسنٌ ويُرجى له إن شاء الله أن يكون قد حقَّق مخالفة أهل الكتاب، والتي لأجلها شرع النبيُّ صلى الله عليه وسلم صيام التاسع مع العاشر.
وإجمالاً: كلّما أكثر الصّيامَ في محرّم كان أفضل وأطيب؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ رَمَضَانَ شَهْرُ اللهِ المُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الْفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» [صحيح مسلم (1163)].
ولا يكره إفرادُ عاشوراء بصيام، كذا قال ابنُ تيمية في الفتاوى وابنُ حجر الهيثمي في "تحفة المحتاج"، وإن كان الأكمل صيام التاسع معه.
ومن أعظم الدلائل على عناية الصحابة الكرام رضي الله عنهم بصيام يوم عاشوراء، وحرصهم على نيل فضله العظيم، ما كانوا يفعلونه مع أطفالهم الصغار في هذا اليوم المبارك.
فقد روت الصحابية الجليلة الرُّبيِّع بنتُ معوِّذ رضي الله عنها أن النبي ﷺ أرسل في صباح عاشوراء إلى قرى الأنصار حول المدينة يقول:
«مَنْ كَانَ أَصْبَحَ صَائِمًا؛ فَلْيُتِمَّ صَوْمَه، وَمَنْ كَانَ أَصْبَحَ مُفْطِرًا؛ فَلْيُتِمَّ بَقيَّةَ يَوْمِهِ».
قالت: فكنَّا بعد ذلك نَصُومه ونُصَوِّمُ صِبْيَاننا الصِّغَارَ منهم، ونذهب إلى المسجد فنجعل لهم اللُّعبةَ من العِهْن (الصوف)، فإذا بكى أحدُهم على الطعام أعطيناه إيَّاها حتَّى يكون عند الإفطار.
ومن حرصهم على صيام يوم عاشوراء، ما يُروى عن الإمام التابعي الجليل ابنِ شِهَابٍ الزُّهْرِيِّ؛ حين كان فِي سَفَرٍ، فَصَامَ يَوْمَ عَاشُوْرَاءَ، فَقِيْلَ لَهُ: لِمَ تَصُومُ وَأَنْتَ تُفطِرُ فِي رَمَضَانَ فِي السَّفَرِ؟!
قَالَ: إِنَّ رَمَضَانَ لَهُ عِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ، وَإِنَّ عَاشُوْرَاءَ يَفُوْتُ. [سير أعلام النبلاء (5/ 342)]
فاحرص أخي الكريم على اللحاق بركب الصائمين في هذا اليوم المبارك، فهو عمل يسير (صيام يوم واحد) يقابله أجر كبير (تكفير ذنوب سنة كاملة)، والله كريمٌ وذو فضل عظيم.
ما هي طريقتك في تشجيع أبنائك على صيام عاشوراء؟ 💡 شاركنا أفكارك التربوية 👶🍃
هل تعرف أحدًا تحب أن يشاركك في صيام عاشوراء؟ 👀 أرسل له هذا المقال واحتسب الأجر!