
في عالمٍ تُقاس فيه القيم بكم نملك، لا بمن نكون، تضيع البوصلة، وتُخدع الأبصار ببريق المال وصور الأبناء.
وقد تأتيك الآية الكريمة، كمن يوقظ النائم من حلمٍ طويل، فتقول:
﴿الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا﴾ [الكهف: 46].
إنها زينة… لا أكثر. مظهرٌ لامع لا يغني عند الله شيئًا ما لم يزنه الإيمان، ويهذبه العمل الصالح.
معنى الآية في كلام العلماء
قال الإمام ابن كثير – رحمه الله – في تفسيره لهذه الآية:
"أي هما مما يتزين به الناس في الحياة الدنيا، وهو من زينة الدنيا وزهرتها".
وذكر الإمام الطبري في "جامع البيان":
"المال والبنون من متاع الدنيا الذي يفتتن به الناس، ويُعجبون به، ولكنه لا ينفع عند الله".
فالآية تُعلّمنا أن المال والأولاد ليسوا مذمومين في ذاتهم، وإنما في التعلّق بهم والاغترار بزخرفهم.
حديثٌ يوقظ القلب
قال رسول الله ﷺ:
"يَتْبَعُ المَيِّتَ ثَلاثَةٌ: أَهْلُهُ، وَمَالُهُ، وَعَمَلُهُ، فَيَرْجِعُ اثْنَانِ، وَيَبْقَى وَاحِدٌ: يَرْجِعُ أَهْلُهُ وَمَالُهُ، وَيَبْقَى عَمَلُهُ"
📚 [رواه البخاري: 6514، ومسلم: 2960]
تأمل هذا الحديث… المال الذي سهرت لجمعه، والولد الذي أحببته، كلاهما يعودان من المقبرة… ويبقى معك العمل وحده في ظُلمة القبر.
بريق خادع.. ودمعة ندم
تخيل رجلًا عاش حياته في جمع الأموال، وبناء البيوت، والحرص على رفاه أولاده. لكنه لم يُربِّهم على التقوى، ولم ينفق من ماله إلا لمظهر أو رياء.
مات… وحين وُضع في قبره، لم تبكِ عليه أمواله، ولا نفعه منصبه.
وصدق الشاعر حين قال:
هي الدُّنيا تُزيِّنُ كلَّ باطلٍ... وتُخفي في رُبوعِها الهلاكَا
— من الشعر الزهدي القديم
المال والبنون نعمة إن شُكرت، ونقمة إن أُشغلت عن الله. فكم من غنيٍّ افتقر عند الله، وكم من أبٍ مات حزينًا على ضياع ولده في الفساد.
رسالة معاصرة
في زماننا المعاصر، أصبحت الزينة مشروع استعراض.
صور لأبناء يلبسون الماركات... فيديوهات لرحلات فاخرة... لقطات من طاولات الطعام الثمين...
ولكن، ما وراء الصور؟ هل هذا المال من حلال؟ وهل هؤلاء الأبناء يعرفون ربهم؟ هل سعينا لنُرضي الناس أم الله؟
حين يصبح الأب يتباهى بابنه في المظهر، وينسى أن يورثه الدين...
وحين تُستنزف الطاقات لجمع المال دون صدقة أو زكاة...
فحينها نحتاج وقفة، نسأل فيها:
هل هذه الزينة تقرّبني إلى الله؟ أم تُبعدني عن الآخرة؟
وختاما سؤال لك: أين زينتك الحقيقية؟
أيها القارئ الكريم...
حين تنظر في حساباتك البنكية، أو ترى أبناءك يلعبون حولك، تذكّر:
هل هذه الزينة طريق إلى الجنة؟ أم فتنة تشغلني عن الله؟
شاركنا:
🔹 ما أعظم نعمة تراها في حياتك اليوم؟
🔹 وكيف يمكن أن تجعلها سببًا لرضا الله؟
اللهم اجعل أموالنا وأولادنا عونًا لنا على طاعتك، ولا تجعلها فتنة تُضلّنا عن سبيلك.