قطعُ الأرحام.. خرابٌ للديار ونقصٌ للأعمار!

قطعُ الأرحام.. خرابٌ للديار ونقصٌ للأعمار!
2025/08/22

من المظاهر السلبية التي تفشتْ في المجتمعات المسلمة هذه الأيام قطيعة الأرحام؛ فهناك من الناس مَن هجَر قرابته، فلا يصلهم بمال، ولا جاهٍ، تمرّ الشهور وربما الأعوام دون زيارةٍ أو مودة، بل ولا حتى مكالمة هاتفية.

ومنهم مَن يغيب عن مشاركة ذوي قرابته في أفراحهم وأتراحهم، ولا يلتفت إلى فقيرهم بصدقة، فتراه يقدّم غيرَهم في الحقوق والصلات، وهم أولى الناس بها وأحقُّ.

ومن أشدِّ الآيات الزاجرة عن قطع الأرحام، قولُ الله جل ثناؤه: ﴿فَهَلۡ عَسَیۡتُمۡ إِن تَوَلَّیۡتُمۡ أَن تُفۡسِدُوا۟ فِی ٱلۡأَرۡضِ وَتُقَطِّعُوۤا۟ أَرۡحَامَكُمۡ * أُو۟لَـٰۤىِٕكَ ٱلَّذِینَ لَعَنَهُمُ ٱللَّهُ فَأَصَمَّهُمۡ وَأَعۡمَىٰۤ أَبۡصَـٰرَهُمۡ﴾ [محمد ٢٢- ٢٣]

قال ابنُ كثيرٍ: "هذا نَهيٌ عَنِ الإفسادِ في الأرضِ عُمومًا، وعَن قَطْعِ الأرحامِ خُصوصًا، بَل قَد أمرَ اللهُ تعالى بالإصلاحِ في الأرضِ وصلةِ الأرحامِ، وهو الإحسانُ إلى الأقارِبِ في الْمَقالِ والأفعالِ وبَذلِ الأموالِ" [تفسير ابن كثير (7/ 318)]

جَارُ اللَّهِ ‌غَيْرُ ‌مَخْذُولٍ
وعن أبي هُرَيرةَ رَضِي اللهُ عنه، عن النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم قال:

«خَلَق اللهُ الخَلْقَ، فلمَّا فَرَغ منه قامَت الرَّحِمُ فأخَذَت بحَقْوِ الرَّحمنِ، فقال له: مَهْ  ، قالت: هذا مَقامُ العائِذِ  بكَ مِن القَطيعةِ، قال: ألَا تَرضَينَ أن أصِلَ مَن وَصَلَكِ، وأقطَعَ مَن قَطَعَكِ؟ قالت: بلى يا رَبِّ، قال: فذَاكِ. قال أبو هُرَيرةَ: اقرَؤوا إنْ شِئتُم: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ)» [رواه البخاري (4830)، ومسلم (2554)]

ومَقْصُودُ هَذَا الحديثِ الْإِخْبَارُ بِتَأَكُّدِ أَمْرِ صِلَةِ الرَّحِمِ، وَأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ نَزَّلَهَا بِمَنْزِلَةِ مَنِ اسْتَجَارَ بِهِ فَأَجَارَهُ، وَأَدْخَلَهُ فِي ذِمَّتِهِ وَخِفَارَتِهِ. وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَجَارُ اللَّهِ ‌غَيْرُ ‌مَخْذُولٍ وَعَهْدُهُ ‌غَيْرُ ‌مَنْقُوضٍ. وَلِذَلِكَ قَالَ مُخَاطِبًا لِلرَّحِمِ: "أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ" [«تفسير القرطبي (16/ 249)]

وعن جُبَيرِ بنِ مُطعِمٍ رَضِيَ اللهُ عنه، أنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم قال: «لا يَدخُلُ الجَنَّةَ قاطِعُ رَحِمٍ» [البخاري (5984)، ومسلم (2556)].

وعن أبي بَكْرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: «ما مِن ذَنْبٍ أجدَرُ أن يُعَجِّلَ اللهُ لِصاحِبِه العُقوبةَ في الدُّنيا مع ما يَدَّخِرُ له في الآخِرةِ: مِنَ البَغيِ وقَطيعةِ الرَّحِمِ» [صحيح سنن ابن ماجه (4211)].

وفي الحديث أيضًا: «مَن سَرَّهُ أنْ يُبْسَطَ له في رِزْقِهِ، أوْ يُنْسَأَ له في أثَرِهِ، فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ» [البخاريُّ (2067)، ومسلمٌ (2557)]

قال الصَّنعانيُّ:

"إنَّ قَطيعةَ الرَّحِمِ وسوءَ الخُلُقِ وسوءَ الجِوارِ سَبَبٌ لخَرابِ الدِّيارِ ونَقصِ الأعمارِ" [التنوير شرح الجامع الصغير (6/ 585)]

 

أنواع الرحم وضابط صلتها:

والرَّحِم نوعان:

الأول: الرحم المحرَّمة، أي مَنْ يَحْرُمُ الزواجُ به لو فُرِضَ أحَدُهما ذكَرًا والآخَرُ أنثى، وهؤلاء أعظم حقًا، ويشتد وجوب صلتهم بقدر قربهم، كالآباءِ والأمَّهاتِ، والإخوةِ والأخواتِ، والأجدادِ والجَدَّات وإن عَلَوا، والأولادِ وأولادِهم وإن نَزَلوا، والأعمامِ والعَمَّاتِ، والأخوالِ والخالاتِ.

الثاني: الرحم غير المحرمة، وهم مَن عدا ذلك، وأعظمهم حقًا الأقرب فالأقرب، كأولاد العم والخال والعمة والخالة.

ويتَّفِقُ أهل العلم على وجوبِ صِلَةِ الأرحامِ مِن النوعِ الأول، ويختلِفونَ في وجوبِ صِلةِ النوعِ الثاني -مع الاتِّفاقِ على فضلِه- على قولَيْن. ويذهب بعض أهل العلم إلى أنه إن كان من النوع الثاني غير أنه محتاجٌ إلى رحِمِه، فإنه يجبُ حينئذٍ وصلُه، وتجبُ كفايتُهُ وقضاءُ حاجتِهِ على القادرِ مِن ذوي رحِمِهِ الأقرب فالأقرب.

وصِلةُ الرَّحِمِ تكونُ بما جرى به العُرفُ واتَّبَعه النَّاسُ؛ فما جرى به العُرفُ أنَّه صِلةٌ فهو الصِّلةُ، وما تعارفَ عليه النَّاسُ أنَّه قطيعةٌ فهو قَطيعةٌ، وهذا يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال والأزمان والأماكن. مثلا: إذا كان قريبك مستغنيا عنك وصحيح البدن وتسمع عنه أنه لا يحتاج إلى شيء، فهذا صلته لو تحددت بشهر أو شهر ونصف وما أشبه ذلك فإن هذه صلة بعرفنا، وذلك لأن الناس ـ والحمد لله ـ قد استغنى بعضُهم عن بعض، وكل واحد منهم لا يجد على الآخر، لكن لو كان هذا الرجل قريبا جدا كالأب، والأم، والأخ، والعم؛ فإنه يحتاج إلى صلة أكثر، وكذلك لو كان فقيرا فإنه يحتاج إلى صلة أكثر، وكذلك لو مرض فإنه يحتاج إلى صلة أكثر. وهكذا [شرح رياض الصالحين لابن عثيمين (1/ 308- 309)]

وتتنوع صور صلة الرحم؛ فتكون بالمال، أو بقضاء الحاجات، أو بخدمةٍ وزيارة. وإن كان القريب غائبًا، فبمكالمة هاتفية أو مراسلة عبر برامج المراسلات الهاتفية أو بمراسلة بريدية. كما تكون بالحديث الطيب عنهم، والاهتمام بأحوالهم، والعفو عن زلاتهم، ومعونتهم عند الحاجة.

💌 تذكير واحد قد يُعيد الحياة لرحمٍ مقطوعة منذ سنوات.. كن سببًا في نشر الخير وشاركنا الأجر🌿

بحث

الأكثر تداولاً

ellipse
loading

مع تطبيق مصحف المدينة استمتع بتفسير شامل للآيات يساعدك على فهم القرآن الكريم بسهولة

حمل مصحف المدينة الآن

مدار للبرمجة © 2021 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة