﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ تربيةُ النفس على التجاوُز والعفو

﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾  تربيةُ النفس على التجاوُز والعفو
2025/12/16

ليست كل أوامر القرآن توجيهات سلوكية ظاهرة، فبعضها تربية عميقة للنفس وبناء داخلي للقلب.
ومن هذه الأوامر الجامعة قول الله تعالى: ﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ [الحجر: 85].  

معني الصفح الجميل:
 
الصفح في اللغة هو الإعراض مع التجاوُز، وأما الصفح الجميل فهو العفو الذي لا يصاحبه عتاب أو لوم أو معاتبة.

وقد فسّر السلف والجمهور من المفسرين الصفح الجميل بأنه العفو بلا معاتبة، وهو المعنى الذي جرى عليه أكثر المفسرين كالطبري وابن كثير والقرطبي.  
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في تمييزه بين الثلاثة: "الهجر الجميل: الهجر الذي لا أذى فيه، والصفح الجميل: الصفح الذي لا عتاب فيه، والصبر الجميل: الصبر الذي لا شكوى فيه".  
فالقرآن لا يدعو إلى كبت الألم، بل إلى تهذيب القلب حتى لا يتحول الأذى إلى حقدٍ مقيم.  

سياق الأمر بالصفح :
جاء الأمر بالصفح الجميل في مرحلة مكية اشتد فيها أذى المشركين للنبي ﷺ، ومع ذلك لم يكن التوجيه بالانتقام، بل بتربية النفس على السمو، لأن الصفح الحقيقي يظهر عند القدرة لا عند العجز.

الصفح الجميل ليس ضعفًا:
الصفح الجميل لا يعني التنازل عن الحقوق ولا إلغاء الحكمة، بل هو ضبط للنفس، وتحرير للقلب من أسر الغضب.
وقد قرر القرآن هذا المعنى في قوله تعالى: ﴿فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ﴾ [الشورى: 40]
 فالعفو هنا مقترن بالإصلاح، لا بالفوضى ولا بالاستسلام.  

تربية النفس على الصفح :
يتربّى الصفح الجميل حين:  
- يستحضر العبد نظر الله إلى قلبه.  
- يفرق بين العفو القلبي والحزم العملي.  
- يجعل غايته سلامة صدره لا كسر غيره.  

فالصفح الجميل ليس موقفًا عابرًا، بل مقامٌ إيماني.  

وختامًا
﴿فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ﴾ آية تُداوي القلوب قبل أن تُغيّر الواقع، وتعلّمنا أن سلامة الصدر عبادة، وأن أعظم الانتصارات… أن يظل القلب سليمًا.  

هل هناك خلق قرآني معين تحب أن تقرأ عنه؟ شاركنا في التعليقات

بحث

الأكثر تداولاً

مع تطبيق مصحف المدينة استمتع بتفسير شامل للآيات يساعدك على فهم القرآن الكريم بسهولة

حمل مصحف المدينة الآن

مدار للبرمجة © 2021 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة