سورة يس… رحلة في معاني التوحيد والبعث والرسالة

سورة يس… رحلة في معاني التوحيد والبعث والرسالة
2025/09/28

مقدمة

القرآن الكريم كتاب الله الخالد، أنزله هدىً ونورًا ورحمةً للعالمين، يحمل في طياته شفاءً للقلوب وهدايةً للعقول. ومن بين سوره المباركة، تبرز سورة يس بمكانة خاصة في قلوب المسلمين، لما تحمله من معانٍ عظيمة ترتقي بالإنسان نحو الفلاح في الدنيا والآخرة. اشتهرت هذه السورة في التراث الإسلامي بفضلها الكبير، حيث ورد في بعض الروايات أنها تُلقب بـ"قلب القرآن"، وإن كانت بعض هذه الأحاديث ضعيفة.

التعريف بالسورة

سورة يس سورة مكية بالإجماع الراجح بين العلماء، نزلت قبل الهجرة لتعالج قضايا العقيدة الأساسية: التوحيد، الرسالة، والبعث والنشور. تقع في الجزء الثالث والعشرين من المصحف الشريف، وتتألف من ثلاث وثمانين آية. افتُتحت بالحروف المقطعة "يس" التي تعد من إعجاز القرآن، وقد ذهب المفسرون في تأويلها إلى آراء متعددة، منها أنها إشارة إلى تحدي العرب بأحرف لغتهم. تُركز السورة على إثبات صدق الرسالة المحمدية، واستعراض دلائل قدرة الله، وتأكيد حقيقة البعث والجزاء.

محاور السورة

يمكن تقسيم موضوعات سورة يس إلى أربعة محاور رئيسية:

  1. إثبات الرسالة: تبدأ السورة بتأكيد صدق النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن القرآن تنزيل من العزيز الرحيم، وأن النبي على صراط مستقيم (الآيات 1-6).

  2. دلائل التوحيد: تعرض السورة آيات كونية مثل إحياء الأرض بعد موتها، تعاقب الليل والنهار، وسير الشمس والقمر، لتكون براهين على وحدانية الله وقدرته (الآيات 33-40).

  3. القصص القرآني: تقدم قصة أصحاب القرية الذين جاءهم ثلاثة مرسلين، فكذبوهم، ثم جاء رجل من أقصى المدينة يدعو إلى الإيمان، فاستشهد في سبيل الله (الآيات 13-32).

  4. البعث والجزاء: تختتم السورة بمشاهد من يوم القيامة، ورد شبهات المنكرين للبعث، مؤكدةً أن الحياة الآخرة حق لا ريب فيه (الآيات 62-83).

أقوال العلماء في السورة

  • الإمام القرطبي: نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إن لكل شيء قلبًا، وقلب القرآن يس، ومن قرأ يس كتب له بقراءتها قراءة القرآن عشر مرات"، لكنه أوضح أن هذا الحديث ضعيف لأنه من رواية أبي بكر الشافعي. كما بيّن في تفسيره أن سورة يس تشتمل على دلائل التوحيد في آياتها الكونية، وإثبات الرسالة في تأكيدها على صدق النبي صلى الله عليه وسلم، وبراهين البعث في رد شبهات المنكرين.

    • المصدر: الجامع لأحكام القرآن، الجزء 15، ص 5 (طبعة دار الكتب العلمية).

  • ابن كثير: قال في تفسيره: "افتتحت هذه السورة بقوله تعالى {يس * والقرآن الحكيم * إنك لمن المرسلين * على صراط مستقيم}، وهذا قسم من الله تعالى بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم من المرسلين، وأن القرآن تنزيل من عنده".

    • المصدر: تفسير القرآن العظيم، الجزء 6، ص 557 (طبعة دار طيبة).

  • الفخر الرازي: قال: "قوله تعالى {يس} من الحروف المقطعة التي تحدى الله بها العرب، فإن القرآن مؤلف من هذه الحروف التي يعرفونها، ثم عجزوا عن معارضته، فكان ذلك من دلائل إعجازه".

    • المصدر: مفاتيح الغيب، الجزء 26، ص 7 (طبعة دار إحياء التراث العربي).

رسالة معاصرة

سورة يس ليست مجرد نص يُقرأ في أزمنة مضت، بل هي رسالة حية تخاطبنا اليوم. تذكّرنا بأن الإسلام دعوة للحياة، وأن الإيمان يتطلب عملاً وتضحية. في عالم مليء بالفتن والشكوك، تجدد السورة الثقة بوعد الله، وتبعث السكينة في النفوس بيقين أن الحق لا يضيع، وأن البعث والحساب حقيقة لا مرية فيها. إنها دعوة لإعادة بناء علاقتنا بالله، وإحياء قلوبنا بذكره، والعمل للآخرة.

شعر من التراث

وفيه الهدى والنور يشرق دائمًا
كتاب الله يروي القلوب بذكره


المصدر: من التراث الشعري العام، غير منسوب لشاعر محدد (مستخدم في كتب فضائل القرآن مثل "فضائل القرآن" لابن كثير، الجزء 7، ص 496).

خاتمة

سورة يس ليست مجرد آيات تُتلى، بل هي روح تتغلغل في القلوب، ودعوة توقظ الضمائر. إنها تحثنا على العيش مع القرآن قلبًا وعقلًا وعملًا، واكتشاف أنفسنا في ضوء الوحي الإلهي.

 

مع تطبيق مصحف المدينة استمتع بتفسير شامل للآيات يساعدك على فهم القرآن الكريم بسهولة

حمل مصحف المدينة الآن

مدار للبرمجة © 2021 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة