
سورة يوسف من السور المحبَّبة إلى قلوب كثير من المسلمين؛ فقد جمعت بين جمال البيان وعمق العبرة، كما أنها تروي أحداثَ قصةٍ مكتملةٍ لنبيٍّ كريم ابتُلي فصبر، ومُكِّن بعد ابتلاءٍ؛ لتبقى قصتُه درسًا خالدًا في الثبات والإيمان، وعبرةً للمؤمنين في مواجهة الشدائد بثقة ويقين.
ونحاول في هذه السطور التعرف على سورة يوسف بشكل أقرب:
سورة يوسف مكية، وآياتها (111) آية، وترتيبها في المصحف الشريف رقم (12)، وهي السورة رقم (53) في ترتيب نزول السُّور؛ حيث نَزَلَتْ بَعْدَ سُورَةِ هُودٍ، وَقَبْلَ سُورَةِ الْحِجْرِ.
أسماء السورة
لا يُعرف لها اسم آخر سوى "سورة يوسف"؛ فهو اسمها الوحيد، وهو اسمٌ توقيفي؛ فعن عُقبَةَ بنِ عامِرٍ رَضِيَ الله عنه، قال: «اتَّبعتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وَهوَ راكِبٌ فوضعتُ يدي على قَدمِهِ فقُلتُ : أقرِئني يا رسولَ اللَّهِ سورةَ هودٍ ، وسورةَ يوسُفَ. فقالَ: لَن تقرأَ شيئًا أبلغَ عندَ اللَّهِ من قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ ، وَ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ» [صحيح النسائي (952)]
سبب التسمية:
سُميت بهذا الاسم؛ لأن السورة كلها تتحدث عن قصة نبي الله يوسف عليه السلام؛ فسُميت به. ولم تُذكرْ قصةُ نبيٍّ في القرآن الكريم بمثل ما ذُكرت به قصة يوسف عليه السلام من الإطناب وتخصيص سورة كاملة لسرد قصته فيها، علمًا بأن اسم يوسف عليه السلام لم يذكر في غير هذه السورة سوى في موضعيْن فقط في سورتَي: [الأنعام ٨٤]، و[غافر ٣٤].
سبب النزول:
عنْ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه، قالَ:
نَزَلَ القرآنُ على رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فتلا عليهم زمانًا، فقالوا: يا رسولَ اللهِ، لو قَصَصْتَ علينا. فأَنزلَ اللهُ عزَّ وجلَّ: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} [يوسف: 1]، تلا إلى قولِهِ: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ} [يوسف: 3] الآيةَ ... الحديث [أخرجه الحاكم في المستدرك (2/ 345) وصححه ووافقه الذهبي، وكذلك صححه الألباني في صحيح موارد الظمآن (1462)]
مقاصد السورة:
مِن أهمِّ مَقاصِدِ سُورَةِ يُوسُفَ:
1- بَيانُ أنَّ العاقِبَةَ للمُؤمِنينَ المُتَّقِينَ الصَّابِرينَ رُغْمَ الابْتِلاءاتِ والمِحَنِ.
2- تَسْلِيَةُ الرَّسولِ صلَّى الله عليه وسلَّم وأَصحابِه، وتَطْمِينُ نُفوسِهم. [التفسير المحرر]
موضوعات السورة:
يمكن تقسيم السورة إلى 4 مقاطع رئيسة:
1- المقدمة (1 – 3): بيان أوصاف القرآن ووصف قصصه بأحسن القصص.
2- المرحلة الأولى (4 – 49): مرحلة المحن والابتلاءات من حياة الصدّيق يوسف عليه السلام.
3- المرحلة الثانية (50 – 101): مرحلة المنح والتمكين من حياة الصدّيق يوسف عليه السلام.
4- الخاتمة (102 – 111): العِبر والدروس المستفادة من قصة الصدّيق يوسف عليه السلام. [مفاتيح سور القرآن، ص: 57]
وتفصيليا، فقد تناولت السورة هذه المواضيع:
-
من أدلة إعجاز القرآن الكريم (الآيات: 1 – 3)
-
رؤيا يوسف عليه السلام (الآيات: 4 – 6)
-
تآمر إخوة يوسف عليه السلام عليه (الآيات: 7 – 18)
-
محنة يوسف عليه السلام في مصر (الآيات: 19 – 34)
-
محنة يوسف عليه السلام في السجن (الآيات: 35 – 53)
-
الخروج من السجن واستلام الحكم (الآيات: 54 – 57)
-
لقاء يوسف عليه السلام بإخوته مرة أخرى (الآيات: 58 – 98)
-
لقاء العائلة كلها في مصر (الآيات: 99 – 101)
-
قصة يوسف عليه السلام دليل على نبوة محمد ﷺ (الآيات: 102 – 104)
-
إعراض المشركين والرد عليهم (الآيات: 105 – 110)
-
من حكم القصص القرآني (الآية: 111) [معالم السور لفايز السريح، ص: 75]
خصائص السورة:
1- انفردت السورة بذكر قصة سيدنا يوسف عليه السلام كاملة من بدايتها إلى نهايتها؛ حيث لم تذكر في غيرها من السور، كما هي العادة في تكرار قصص الأنبياء في القرآن الكريم.
2- قصة يوسف عليه السلام هي أطول قصة في القرآن، استغرقت معظم السورة (97 آية)، ولم تذكر قصة نبي في القرآن بمثل ما ذُكرت قصة يوسف عليه السلام في هذه السورة.
3- سورة يوسف وإن كانت من السور المكية التي يغلب عليها طابع الإنذار والتهديد، إلا أنها اختلفت عنها في هذا الميدان، فجاءت بطريقة فريدة، بأسلوب سلس رقيق ممتع، يملؤه جو الأنس والرحمة، والرفق والحنان، ولهذا قال خَالِدُ بْنُ مَعْدَانَ: "سُورَةُ يُوسُفَ وَسُورَةُ مَرْيَمَ يَتَفَكَّهُ بِهِمَا أَهْلُ الْجَنَّةِ فِي الْجَنَّةِ". وَقَالَ ابْنُ عَطَاءٍ:
"لَا يَسْمَعُ سُورَةَ يُوسُفَ مَحْزُونٌ إِلَّا اسْتَرَاحَ إِلَيْهَا". [تفسير البغوي 4/ 212]
4- أوضحت سورة يوسف إعجاز القرآن في أسلوب القصص، ولذلك وصفت السورة في بدايتها قصصها بأحسن القصص، قال تعالى:
﴿ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَٰذَا الْقُرْآنَ وَإِن كُنتَ مِن قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ ﴾.
5- أكثر ما اجتمع في القرآن من الحروف المتحركة المتوالية ثمانية حروف، جاءت في سورة يوسف في قوله تعالى:
﴿ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا ﴾ (4)، وذلك فيما بين ياء (رأيت) وواو (كوكبًا).
6- رغم أن سورة يوسف تزيد عن مئة آية، فإنه ليس فيها ذكر جنة ولا نار. [مفاتيح سور القرآن، ص: 57]
وهكذا، تظل سورة يوسف نبراساً يضيء دروب الصابرين، ويزرع الأمل في قلوب القانطين بأن وراء كل محنةٍ منحةً، وأن تدبير الله للإنسان أحكمُ من تدبيره لنفسه. إنها قصة تزرع في النفس الطمأنينة وتعيد تشكيل اليقين بأن النهاية الحسنة هي حليف كل من اتقى الله ووضع ثقته فيه، لتكون عبرةً وعظةً لأولي الألباب.
🔍هل تبحث عن السلوان في وقت الشدة؟ اكتشف لماذا وُصفت سورة يوسف بأنها "أحسن القصص" وكيف تبعث الطمأنينة والراحة في قلب كل محزون!.. شاركنا الأجر وانشرها بين مُحبيك⚡