25 ضميرًا مؤنثًا في آية واحدة.. لماذا خصّ الله النساء بهذا الخطاب؟

25 ضميرًا مؤنثًا في آية واحدة.. لماذا خصّ الله النساء بهذا الخطاب؟
2025/08/14

في هذه الآية العظيمة من سورة النور، يوجه الله سبحانه وتعالى خطابًا مباشرًا للمؤمنات، واضعًا لهن منهج العفاف وغض البصر وحفظ الفرج وصون الزينة، حماية لهن وصيانة للمجتمع من الفتنة. فهي آية جامعة تضمنت أوامر ونواهي وآداب شرعية تحفظ للمرأة كرامتها وللمجتمع طهره.

قال الله تعالى: (وَقُل لِّلۡمُؤۡمِنَـٰتِ یَغۡضُضۡنَ مِنۡ أَبۡصَـٰرِهِنَّ وَیَحۡفَظۡنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا یُبۡدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنۡهَاۖ وَلۡیَضۡرِبۡنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُیُوبِهِنَّۖ وَلَا یُبۡدِینَ زِینَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوۡ ءَابَاۤىِٕهِنَّ أَوۡ ءَابَاۤءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ أَبۡنَاۤىِٕهِنَّ أَوۡ أَبۡنَاۤءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ إِخۡوَ ٰنِهِنَّ أَوۡ بَنِیۤ إِخۡوَ ٰنِهِنَّ أَوۡ بَنِیۤ أَخَوَ ٰتِهِنَّ أَوۡ نِسَاۤىِٕهِنَّ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُهُنَّ أَوِ ٱلتَّـٰبِعِینَ غَیۡرِ أُو۟لِی ٱلۡإِرۡبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ أَوِ ٱلطِّفۡلِ ٱلَّذِینَ لَمۡ یَظۡهَرُوا۟ عَلَىٰ عَوۡرَ ٰتِ ٱلنِّسَاۤءِۖ وَلَا یَضۡرِبۡنَ بِأَرۡجُلِهِنَّ لِیُعۡلَمَ مَا یُخۡفِینَ مِن زِینَتِهِنَّۚ وَتُوبُوۤا۟ إِلَى ٱللَّهِ جَمِیعًا أَیُّهَ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ) [النور:24]

 

خطاب مخصوص للنساء:

وقد اشتملت هذه الآية الكريمة على خمسة وعشرين ضميرًا للإناث ولم يوجد لها نظير في القرآن في هذا الشأن.

قول الله تعالى لنبيه محمد ﷺ ﴿قُلْ﴾ يا محمد ﴿للْمُؤْمِنَاتِ﴾ من أمتك. وخص سبحانه الإناث بهذا الخطاب على طريق التأكيد، وهو أمر من الله تعالى للنساء المؤمنات، وتمييز لهن عن صفات نساء الجاهلية وأفعال المشركات.

 

لماذا أمر الله سبحانه وتعالى بداية بغض البصر؟

قال الله تعالى: ﴿يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ﴾ عما يكره الله النظر إليه، وبدأ سبحانه بالغض قبل حفظ الفرج؛ لأن النظر وسيلة إلى عدم حفظ الفرج، والوسيلة مقدمة على المتوسل إليه. ولهذا ذهب العلماء إلى أنه لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الأجانب بشهوة.

وقال الله تعالى: ﴿وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ﴾ من التمكين من جماعها، أو مسها، أو النظر المحرم إليها بلبس ما يسترها عن أبصارهم.

 

ما المقصود بزينة المرأة؟

أما قول الله تعالى: ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾. أي: ولا يُظهرن للناس الذين ليسوا لهن بمحرم زينتهنّ، وهما زينتان:

إحداهما: ما خفي وذلك كالخلخال والسوارين والقرطين والقلائد،

والأخرى: ما ظهر منها، وذلك مختلف في المعنيّ منه بهذه الآية،

فكان بعضهم يقول: زينة الثياب الظاهرة.

وقال آخرون: الظاهر من الزينة التي أبيح لها أن تبديه: الكحل، والخاتم، والسواران، والوجه.

وقال آخرون: عنى به الوجه والثياب.

 

أمر صريح بالحجاب:

قال الله تعالى: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾. أي: وليلقين خُمُرهنّ، وهي جمع خمار، على جيوبهنّ، ليسترن بذلك شعورهنّ وأعناقهن وقُرْطَهُنَّ.

والخُمُر جمع خمار وهو ما تغطي به المرأة رأسها. والجيوب جمع جيب ويشير إلى الفتحة التي تُدخل منها الرأس عند ارتداء الثوب. وفي لفظ (الضرب) مبالغة في الإلقاء بقوة حتى يلتصق الخمار بالجيب فلايبدو منه شيئًا.

عن عائشةَ رَضِيَ الله عنها، قالت: (يَرحمُ اللهُ نِساءَ المُهاجِراتِ الأُوَلَ؛ لَمَّا أنزل اللهُ: وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ شقَّقْنَ مُروطَهنَّ ، فاختمَرْنَ بها) [رواه البخاري (4758)]

 

جواز إظهار جميع الزينة أو بعضها:
وجاء في التوجيه الرباني أيضًا: ﴿وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ﴾ التي هي غير ظاهرة، بل الخفية منها، كالخلخال والقرط (الحلق)، وما أمرت بتغطيته بخمارها من فوق الجيب، وما وراء ما أبيح لها كشفه، وإبرازه في الصلاة وللأجنبيين من الناس.

قال الله تعالى: (إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوۡ ءَابَاۤىِٕهِنَّ أَوۡ ءَابَاۤءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ أَبۡنَاۤىِٕهِنَّ أَوۡ أَبۡنَاۤءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوۡ إِخۡوَ ٰنِهِنَّ أَوۡ بَنِیۤ إِخۡوَ ٰنِهِنَّ أَوۡ بَنِیۤ أَخَوَ ٰتِهِنَّ أَوۡ نِسَاۤىِٕهِنَّ أَوۡ مَا مَلَكَتۡ أَیۡمَـٰنُهُنَّ ۖ).

إلا لبعولتهنّ. وهم أزواجهن، وقدم البعول؛ لأنهم المقصودون بالزينة، ولأن كل بدن الزوجة حلال لهم.

أو لآبائهن، وأجدادهن من جهة آبائهن وأمهاتهن، أو لآباء أزواجهن، وأجدادهم من جهة آبائهم وأمهاتهم، أو لأبنائهن وأحفادهن من جهة أبنائهن وبناتهن، أو لأبناء أزواجهن من غيرهن وأحفادهم أو لإخوانهن الأشقاء أو لأب أو لأم، أو لبني إخوانهن وأبنائهم ذكورًا وإناثًا، أو لبني أخواتهن وأبنائهم ذكورًا وإناثًا.

أو نسائهن، وعني بذلك نساء المسلمين يعني: تظهر زينتها أيضا للنساء المسلمات دون المشركات؛ لئلا تصفهن لرجالهن، فإنهن لا يمنعهن من ذلك مانع، وأما المسلمة فإنها تعلم أن ذلك حرام، فتنزجر عنه. وقد قال رسول الله ﷺ: "لَا تُبَاشِرُ المرأةَ المرأةَ، تَنْعَتُهَا لِزَوْجِهَا كَأَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا". [أخرجه البخاري (5240)]. فجوز للنساء أن يبدين الزينة الباطنة لهؤلاء لكثرة المخالطة الضرورية بينهم وبينهن وعدم خشية الفتنة من قبلهم.

 

حكم أولي الإربة من الرجال والأطفال:

وجاء في النص القرآني: ﴿أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ

والمقصود الذين يتبعونكم لطعام يأكلونه عندكم، ممن لا أرب له في النساء من الرجال، ولا حاجة به إليهنّ، ولا يريدهنّ.

عن عائشة قالت: كان رجل يدخل على أزواج النبيّ ﷺ مخنث، فكانوا يعدونه من غير أولي الإربة، فدخل عليه النبي ﷺ يومًا وهو عند بعض نسائه وهو ينعت امرأة، فقال: إنها إذا أقبلت أقبلت بأربع، وإذا أدبرت أدبرت بثمان، فقال النبيّ ﷺ: "لا أرَى هَذَا يَعْلَمُ ما هَاهُنا، لا يَدْخُلَنَّ هَذَا عَلَيْكُمْ " فحجبوه.[ أخرجه مسلم (2181)]

والمقصود في قول الله سبحانه: ﴿أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ﴾ الأطفال الذين لم يعرفوا العورة من غيرها من الصغر، فإذا كان الطفل صغيرًا لا يفهم ذلك، فلا بأس بدخوله على النساء. فأما إن كان مراهقا أو قريبًا منه، بحيث يعرف ذلك ويدريه، ويفرق بين القبيحة والحسناء، فلا يدخل على النساء، ودل هذا على أن المميز تستتر منه المرأة، لأنه يظهر على عورات النساء.

 

سد باب المحرمات:
قال الله تعالى: ﴿وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ﴾. أي: ولا يجعلن في أرجلهنّ من الحليّ ما إذا مشين أو حرّكنهنّ، علم الناس الذين مشين بينهم ما يخفين من ذلك.

أي: لا تضرب المرأة برجلها إذا مشت ليسمع صوت خلخالها من يسمعه من الرجال فيعلمون أنها ذات خلخال، فإن ذلك مما يورث الرجال ميلاً إليهن، ويوهم أن لهن ميلاً إلى الرجال وهذا سد لباب المحرمات وتعليم للأحوط.

وكذلك إذا كان شيء من زينتها مستورًا، فتحركت بحركة لتظهر ما هو خفي، دخل في هذا النهي؛ ومن ذلك أيضًا أنها تنهى عن التعطر والتطيب عند خروجها من بيتها ليشتم الرجال طيبها، عن أبي موسى رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: "كُلُّ عَيْنٍ زَانِيَةٌ، وَالْمَرْأَةُ إِذَا اسْتَعْطَرَتْ فمرَّت بِالْمَجْلِسِ فَهِيَ كَذَا وَكَذَا" يَعْنِي زَانِيَةً. [أخرجه أبو داود (4173)، والنسائي (5126)، والترمذي (2786) وصححه الألباني في الترغيب والترهيب (2019)]

ويؤخذ من هذا ونحوه، قاعدة سد الوسائل، وأن الأمر إذا كان مباحًا، ولكنه يفضي إلى محرم، أو يخاف من وقوعه، فإنه يمنع منه، فالضرب بالرجل في الأرض، الأصل أنه مباح، ولكن لما كان وسيلة لعلم الزينة، منع منه.

 

كل مؤمن محتاج إلى التوبة:

وكان ختام الآية الكريمة بهذا الأمر الرباني: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ﴾ أي: وارجعوا أيها المؤمنون إلى طاعة الله فيما أمركم ونهاكم من غضّ البصر، وحفظ الفرج، وغير ذلك من أمره ونهيه. وفيه الأمر بالتوبة، ولا خلاف بين المسلمين في وجوبها وأنها فرض من فرائض الدين؛ لأن العبد لا يخلو عن سهو ويقصر في أوامره ونواهيه، وإن اجتهد فلذا وصاهم جميعًا بالتوبة. وظاهر الآية يدل على أن العصيان لا ينافي الإيمان.

ودل هذا، أن كل مؤمن محتاج إلى التوبة، لأن الله خاطب المؤمنين جميعًا، وفيه الحث على الإخلاص بالتوبة في قوله: ﴿وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ﴾ أي: لا لمقصد غير وجهه، من سلامة من آفات الدنيا، أو رياء وسمعة، أو نحو ذلك من المقاصد الفاسدة.

ثم ذكر ما يرغبهم في التوبة فقال ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَأي تفوزون بسعادة الدنيا والآخرة أو تنجون من ذلك لقبول التوبة منه فإن الفلاح كل الفلاح في فعل ما أمر الله به ورسوله، وترك ما نهيا عنه.

 

التوبة أول المنازل وأوسطها وآخرها:

قال ابن القيم:

ومنزل التوبة أول المنازل، وأوسطها، وآخرها، فلا يفارقه العبد السالك، ولا يزال فيه إلى الممات، وإن ارتحل إلى منزل آخر ارتحل به، واستصحبه معه ونزل به، فالتوبة هي بداية العبد ونهايته، وحاجته إليها في النهاية ضرورية، كما أن حاجته إليها في البداية كذلك، وقد قال الله تعالى ﴿وَتُوبُوا إلى اللَّهِ جَمِيعًا أيُّها المُؤْمِنُونَ لَعَلَّكم تُفْلِحُونَ﴾ [النور: ٣١] وهذه الآية في سورة مدنية، خاطب الله بها أهل الإيمان وخيار خلقه أن يتوبوا إليه، بعد إيمانهم وصبرهم، وهجرتهم وجهادهم، ثم علق الفلاح بالتوبة تعليق المسبب بسببه، وأتى بأداة لعل المشعرة بالترجي، إيذانا بأنكم إذا تبتم كنتم على رجاء الفلاح، فلا يرجو الفلاح إلا التائبون، جعلنا الله منهم.

 

إن هذه التوجيهات الربانية ليست مجرد أحكام، بل هي سياج من الطهر يحفظ للمرأة شرفها، وللمجتمع نقاءه، وللأمة قوتها. ومن لزمها نال الفلاح في الدنيا والآخرة، كما وعد الله تعالى بقوله: ﴿لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾، فالفلاح كل الفلاح في طاعة الله واتباع هديه.

............................

المصادر:

تفسير الطبري

فتح البيان للقنوجي

تفسير ابن كثير 

تفسير السعدي

تفسير ابن القيم

بحث

الأكثر تداولاً

مع تطبيق مصحف المدينة استمتع بتفسير شامل للآيات يساعدك على فهم القرآن الكريم بسهولة

حمل مصحف المدينة الآن

مدار للبرمجة © 2021 جميع الحقوق محفوظة لشركة مدار البرمجة